رسالة وداع من السفير غابرييل مونويرا فينيالس

أكمل اليوم مهمتي كسفير للاتحاد الأوروبي لدى اليمن. سأترك ملف اليمن في هذه اللحظة، لكنني لن أنسى اليمن ولا اليمنيين، فكلاهما سيبقى محفوراً في قلبي إلى الأبد.

لقد كان شرفاً عظيماً، وامتيازاً حقيقياً، أن أكون الوجه الرئيسي للاتحاد الأوروبي في اليمن طوال السنوات الثلاث والنصف الماضية، وأن أمثل الاتحاد وأسعى، مع فريق رائع من المهنيين في بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، ومع زملائي سفراء الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، إلى مساعدة اليمن واليمنيين في مواجهة التحديات الهائلة التي لا يزالون يواجهونها، ورسم طريق نحو مستقبل أفضل يسوده السلام والازدهار. لقد قمنا بهذا العمل وفي ذهننا هدف واحد فقط: المساعدة والدعم، وخاصة بالشراكة مع الأمم المتحدة، وأيضاً مع الشركاء في المنطقة وخارجها، لتكون اليمن في وضع أفضل.

أغادر وقلبي مثقل، إذ لا يزال اليمن غارقاً في الصراع وفي أزمة إنسانية معقدة، فلا هو في حالة حرب ولا في حالة سلام. هناك الكثير مما يجب القيام به، وبالطبع فإن فترة دبلوماسية واحدة غير كافية لإكمال المهمة. إنها مهمة تقع أولاً وأخيراً على عاتق اليمنيين، فهم وحدهم من يجب أن يكونوا أصحاب القرار في مصيرهم، مع مساعدة الأصدقاء عند الحاجة. لكنني أغادر وأنا أشعر بالرضا ولو قليلاً، لأنني حاولت أن أبذل قصارى جهدي مع زملائي وشركائنا.

لقد كانت فترة عملي مع اليمن مميزة بطريقتها الخاصة، إذ لم أتمكن للأسف من الإقامة في اليمن، ولم تتح لي فرصة الاستمتاع بجمال صنعاء الفريد ومناخها الرائع. زرت شخصياً أماكن محدودة في البلاد: عدن مراراً، والمكلا أيضاً؛ لكن شاهدت عبر فريقي وشركائنا العديد من مناطق اليمن، ورأيت الكثير من الناس الذين استفادوا من مساعداتنا وتعاوننا.

سنحت لي الفرصة لزيارة مواقع التراث العالمي اليمني التي أعاد ترميمها شباب يمنيون عبر برامجنا، والالتقاء بمزارعين وصيادين دعمناهم من خلال مشاريعنا، وبطالبات مدارس مثابرات، وأطباء ومرضى قدمنا لهم العون، وكذلك نازحين داخلياً جراء الصراع، ورواد أعمال وفنانين يمنيين شباب، ومدافعين عن حقوق الإنسان ومسؤولين حكوميين، وناشطين في المجتمع المدني بمن فيهم وسطاء محليون، في مختلف أنحاء اليمن، جميعهم استفادوا من تضامن أوروبا. ليس ذلك كافياً قياساً بحجم الاحتياجات، لكنه كان مهماً وله أثر ملموس وهذا هو جوهر عمل الاتحاد الأوروبي في اليمن، وهو ما جعلني أشعر بالفخر كمسؤول أوروبي طوال هذه السنوات.

ما زال هناك الكثير من العمل، والكثير مما يجب إنجازه، وفي مقدمتها تحقيق السلام، وهو الهدف الجوهري الذي يحتاجه بلد أنهكه الصراع لفترة طويلة. أنا، ومن سبقني ومن سيخلفني، سنواصل بذل قصارى جهدنا، مع الأمم المتحدة والشركاء الإقليميين والدوليين ممن يتشاطرون نفس الرؤى، لمساعدة اليمنيين على بلوغه. لكن، وبطبيعة الحال، هناك أمور كثيرة يجيب القيام بها.

لكن هناك أمل، بل الكثير من الأمل. فقد رأيت ذلك في بداية عملي عند مشاهدتي الفيلم الوثائقي الرائع الذي انتجه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "من اليمن مع الحب". فاليمن بلد رائع الجمال بطبيعته التي لاتضاها، وتراثه وثقافته الفريدة، ويمتلك موارد طبيعية وموقعاً جغرافياً متميزاً. ثم شعبه، المبدع، الريادي. نساؤه، المليئات بالعزيمة، كأمهات، كناشطات، كمبدعات، وكرائدات اعمال، وكقياديات منذ القدم. وكذلك شبابه، المفعم بالحياة والمليء بالأفكار والمبادرات، كما شاهدت عن قرب حاضنات الأعمال والمراكز الإبداعية. هناك مستقبل عظيم ينتظر اليمن، ولا أشك في ذلك.

أغادر اليمن، لكنه لن يغادرني أبداً. وكما نقول بالإسبانية، لغتي الأم: "الوعد دَين". ووعدي للعديد من الأصدقاء اليمنيين هو أن أزور بيوتهم ومدنهم، ربما كسائح، كواحد من آلاف بل ملايين سيزورون البلاد مجدداً. ودَينهم لي أن يستضيفوني، كما فعل الكثيرون منهم بكل كرم في أماكن إقامتهم الحالية. وهذا العهد سأحاسب نفسي وأصدقائي اليمنيين عليه. إلى اليمن، مع كل الحب.