كلمة السفير غابرييل مونويرا فينيالس بمناسبة يوم أوروبا

 

نحتفل كل عام بهذه المناسبة: تأسيس الاتحاد الأوروبي. بدأ كل شيء عندما ألقى روبرت شومان، وزير الخارجية الفرنسي، خطابًا تاريخيًا في عام 1950، بعد فترة وجيزة من انتهاء أكثر الحروب تدميرًا التي شهدها العالم على الإطلاق. وبعد مشاورات مع الحكومة الألمانية الجديدة، أشهر شومان إعلاناً لخَّص أفكار جان مونيه وآخرين. كانت تلك الأفكار بسيطة ولكنها عبقرية في الحقيقة: بما أن الحرب كانت ممكنة باستخدام الفحم والصلب، فإن فرنسا وألمانيا ستضعان إنتاج هاتين المادتين تحت سلطة واحدة فوق وطنية. سيحفز ذلك بدوره التعاون الاقتصادي بين العدوين، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى التكامل السياسي. استغرق الأمر وقتًا وجهودًا كبيرة، لكن الفكرة نجحت. ولأول مرة منذ قرون عديدة، تعيش القارة الأوروبية في سلام إلى حد كبير لأكثر من سبعة عقود.

للأسف عادت الحرب إلى أوروبا في عام 2022. اعتدت روسيا على أوكرانيا وتواصل روسيا إلى اليوم قصف مدن وبلدات أوكرانيا. كان ذلك الاعتداء بمثابة صدمة كبيرة للأوروبيين. لكن من المؤسف أن الحرب في أوكرانيا ليست الصراع الوحيد الذي لا يزال مستعرا. فعلى مقربة من الوطن، لم تتوقف الحرب في غزة بعد. ويواصل الاتحاد الأوروبي حشد التأييد لوقف إطلاق النار، والدعوة إلى احترام القانون الإنساني الدولي، وإطلاق سراح الرهائن، ودخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. في أي حرب، جميع الأطراف خاسرة. يدفع المدنيون دائما الثمن غاليا.

هذا هو الحال في اليمن منذ سنوات. تفاوتت شدة الحرب، لكن لا يزال الصراع قائمًا، والسلام بعيد المنال. رأينا العام الماضي كيف تم جر اليمن إلى تصعيد إقليمي يتجاوز حدوده. ماذا كانت النتيجة؟ من يدفع الثمن هم مجددا اليمنيون من جميع أنحاء البلاد، الذين يعانون من العنف، ووضع اقتصادي صعب للغاية، ويفتقرون إلى مستقبل أكثر إشراقا. 

وفي هذا السياق، ما الذي يقوم به الاتحاد الأوروبي في اليمن؟

إن الاتحاد الأوروبي هو، أولاً وقبل كل شيء، صديق عريق لليمن واليمنيين، وقد استثمر بشكل كبير في البلاد في مختلف المجالات، مع تقديم ما يقرب من 2 مليار يورو كإجمالي للمساعدات منذ اندلاع الصراع في 2015. نظل ملتزمين بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه.

إننا شريك من أجل السلام والأمن. ندعم جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن، وندعم عمل المبعوث الخاص للأمم ومكتبه، من خلال أدوات ومبادرات متنوعة، كما نواصل التنسيق الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين في هذا الصدد. ندعم المجتمع المدني اليمني ومنظمات المسار الثاني في عملهم لمساعدة اليمنيين وإيجاد فرص لبناء السلام. هذا هدف رئيسي للاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، للمضي نحو سلام شامل ومستدام في اليمن. نعتقد أن التسوية السياسية التفاوضية، برعاية الأمم المتحدة، ودعم إقليمي وتأييد من المجتمع الدولي، تتيح السبيل الأمثل نحو مستقبل أفضل، ليس فقط لليمن ولكن أيضًا للمنطقة ككل.

وبناءً عليه، فإننا نؤكد وبقوة على مطلب مجلس الأمن الدولي لوقف هذه الهجمات على الملاحة، وأطلقنا عملية "أسبيدس" للأمن البحري بمهمة دفاعية لحماية السفن التجارية.

يدعم الاتحاد الأوروبي الرئيس رشاد العليمي، ومجلس القيادة الرئاسي، والحكومة اليمنية. فوحدة الصف والإصلاحات هما دائما جوهر هذه المرحلة الحاسمة. نتطلع إلى العمل بشكل وثيق مع رئيس الوزراء بن بريك على التدابير الإدارية والاقتصادية الضرورية، وخطة الإصلاح الحكومية التي نرغب في المساعدة على تنفيذها مع المانحين الآخرين. كما نقدم الدعم لهيئة التشاور والمصالحة اليمنية، وجهودها مع الأطراف السياسية اليمنية لتعزيز الحوار والتعاون.

كما أننا شريك ملتزم بالمبادئ وثابت وموثوق لتقديم العون المنقذ للأرواح لأشد الفئات ضعفاً واحتياجاً. يقف الاتحاد الأوروبي إلى جانب اليمنيين منذ بداية النزاع، حيث قدمنا أكثر من 1.6 مليار يورو كدعم إنساني، وما زلنا من بين كبار المانحين الإنسانيين للبلاد. سنشارك هذا الشهر في بروكسل في رئاسة الاجتماع السنوي السابع لكبار المسئولين الإنسانيين حول اليمن، حيث سنجدد التزامنا ونحشد الشركاء لتلبية الاحتياجات المُلحة للبلاد، والحاجة إلى بيئة تشغيلية مواتية للعاملين في المجالين الإنساني والتنموي. وفي هذا الصدد، نواصل وبقوة التأكيد على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة للإفراج الفوري وغير المشروط عن الموظفين المحليين لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والبعثات الدبلوماسية المحتجزين تعسفياً من قبل الحوثيين. 

ندعم الصمود الاقتصادي في اليمن، حيث نمول مشاريع في جميع القطاعات بما يفوق 250 مليون يورو. نتفاعل مع الشباب اليمني، ونوفر لهم الفرص. وندعم المرأة اليمنية وأجندة المرأة والسلام والأمن. إن إشمالهم في هياكل الحكم في اليمن يُعتبر أمراً أساسياً لمستقبل البلاد. 

إن اليمن بلد رائع. ننظر إليه في الأغلب من منظور الصراع والحرب، بيد أننا في الاتحاد الأوروبي نود اقتراح مقاربة مختلفة. قمنا هذا الأسبوع بتنظيم سلسلة من الفعاليات هنا في عمّان لإبراز المشهد الثقافي اليمني الرائع. لقد دعونا فنانين ورسامين ومصورين وصناع أفلام يمنيين للانضمام إلينا والاحتفاء بالتنوع والإبداع الثقافي لليمن. قمنا بالتعاون مع معهد جوته بتنظيم فعاليتنا "الأسبوع اليمني"، إذ نتشرف بالاحتفال بيوم الاتحاد الأوروبي من خلال عرض الموهبة اليمنية في مواقع مختلفة من المدينة. أدعوكم لزيارة معرضنا للصور الفوتوغرافية "اليمن عن قرب" في المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، حيث يدعونا أربعة مصورين يمنيين، حاضرين معنا هنا الليلة، لرؤية الأمل والفرح والجمال في الحياة اليومية لليمنيين. إن أعمالهم رائعة. وأكثر من أي شيء آخر، يمنحنا الفنانون مثلهم جميعاً دافعا لمواصلة العمل من أجل مستقبل أفضل لنا جميعاً.

اسمحوا لي أخيرًا أن أعبر عن امتناني لجميع زملائي في بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن. نُقدر عاليا تفانيكم والتزامكم، فضلاً عن دعمكم القيّم لعمل هذا المكتب. فبدونكم، لم يكن أي من هذا ممكنًا.

شكرًا لكم.