مقتطفات من كلمة السفير غابرييل مونيرا فينيالس بمناسبة يوم أوروبا – عمان 11 مايو 2022

نجتمع اليوم للاحتفال بيوم أوروبا. وهذا اليوم هو يوم مُميز من عدة نواحي.
أولا وقبل كل شئ، هذه هي المرة الأولى منذ سنة 2018 التي نلتقي فيها وجها لوجه مع أصدقائنا اليمنيين والدوليين للاحتفال بيوم أوروبا. يسرني كثيرا أننا تمكنا من معاودة اللقاءات وجها لوجه مع اليمنيين واليمنيات داخل اليمن وفي المنطقة.
ثانيا، نحتفل هذا العام بيوم أوروبا في ظل ظروف خاصة جدا، في وقت ضربت فيه الحرب بلدا أوروبيا. أنا على يقين بأنه يمكننا استقاء بعض الدروس من التاريخ الأوروبي حول السلام والازدهار في اليمن والمنطقة على نطاق أوسع.
اسمحوا لي إذاً في هذه المناسبة أن أستحضر بكلمات قليلة المشروع الذي تمناه الأباء المؤسسون لأوروبا.
بُني المشروع الأوروبي على هوية متعددة المستويات وتأسس على إلهام أشخاص كُثُر. بيد أن تشييد الاتحاد الأوروبي كما نعرفه اليوم بدأ فعلياً بعد الحرب العالمية الثانية. كان ذلك نتاج الفكر الجماعي الهادف إلى إنهاء سلسلة من الحروب بدت وكأنها لن تنتهي أبداً، ودفعت بالقارة الأوروبية (والعالم بأسره) إلى شفير الدمار الشامل. تحلى الأوروبيون ذوو الرؤية بالشجاعة لإسكات رغبتهم في الانتقام والكراهية، وبدلا عن ذلك تطلعوا إلى مستقبل مشترك، وذلك من خلال حشد الموارد الأساسية وتعزيز التنمية والتعاون الاقتصاديين بين البلدان الأوروبية.
أعتقد بأنه إلى جانب عملية سلام يمنية الملكية ويمنية الأساس، بقيادة الأمم المتحدة، فإنه يمكن تحقيق تلك المنجزات الملموسة والتضامن - بل أنها تتحقق فعليا الآن - في اليمن وشبه الجزيرة العربية و منطقة الخليج على نطاق أوسع. فلنغتنم هذا الزخم ونبني عليه.
من الأساسي النظر إلى الماضي من أجل رسم المسار نحو المستقبل، في وقت فُرض فيه العدوان الروسي على أوكرانيا تحديات كبيرة أمام طموحاتنا في مجالات السلم والأمن، ويستجيب فيه الاتحاد الأوروبي بشكل حاسم لتلك التحديات.
تهدف الجهود الجارية للاتحاد الأوروبي إلى جعل الحرب على أوكرانيا انتصارا لصالح الأمن والسلام في المنطقة والعالم ولرخاء جميع الشعوب. تعاني بلدان كثيرة في العالم، بما فيها اليمن، اقتصاديا بسبب تلك الحرب العبثية. وفي مواجهة تلك الحرب، وقفت أوروبا قوية ومتحدة مما سمح لنا على سبيل الذكر لا الحصر بتبني سلسلة من العقوبات الفعالة غير المسبوقة ضد المصالح الروسية، وبموازاة ذلك تبني مستوى غير مسبوق أيضا من حشد للدبلوماسية الدولية ضد ذلك العدوان.
مع دخول النزاع عامه الثامن، قضى ما يقارب من ثلاثمائة وثمانين ألف شخص منذ اندلاع القتال. كما قضى ألاف من المدنيين بسبب الجوع والمرض وانعدام مياه الشرب، ناهيك عن ملايين الناس الذين أجبروا على الرحيل عن منازلهم إلى مخيمات اللاجئين. أود اليوم أن أعبر عن تضامني العميق مع جميع الذين عانوا من ويلات الحرب، وأن أخبرهم عن عزيمتي الراسخة للمساهمة في إحلال السلام في اليمن. هذا هو الدور الجوهري المناط بي – وهذا ما أعتزم القيام به إلى الحد الأقصى الذي تسمح به قدراتي.
ورغم التحديات الهائلة التي تقف أمام مساعي السلام في اليمن، نجد حاليا بوادر أمل وفرصة سانحة يجب أن نحاول اغتنامها. لقد نجح المبعوث الخاص للأمم المتحدة،وهو معنا اليوم–في التوصل لهدنة تشمل جميع الأراضي اليمنية. لازالت الهدنة قائمة بشكل عام منذ بداية شهر رمضان المبارك. منذ اسابيع قليلة كنت في عدن، بمعية عدة زملاء هم معنا اليوم أيضا، وذلك لحضور مراسم أداء اليمين من قبل مجلس القيادة الرئاسي الجديد، وتمكنا من سماع الرئيس العليمي الذي أكد على التزام المجلس بتلك الهدنة وبقضية السلام.
تُكتب الآن صفحة جديدة في التاريخ السياسي المعاصر لليمن. آمل أن تكون صفحة مشرقة تبعث الأمل لجميع اليمنيين.
توليت مهامي كسفير للاتحاد الأوروبي لدى اليمن منذ شهرين ونصف فقط. لكن سنحت لي فرصة التحدث إلى كثير من الشخصيات اليمنية من المجتمع المدني والأحزاب السياسية، نساءا ورجالا، وعبروا جميعا عن أمنيتهم في السلام.
يستحق اليمن السلام. يستحق اليمنيون واليمنيات السلام.
تلعب النساء اليمنيات دورا محوريا لضمان أن ينعم اليمنيون بالسلام وجني ثمار السلام.
هناك أصوات يمنية كثيرة تنادي بآليات أفضل للحماية القانونية والأمنية للنساء لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان وزيادة مشاركة النساء في جهود صنع السلام وتوفير خدمات اجتماعية أفضل من حيث الرعاية الصحية والتعليم. هذه الأصوات تحدد نوع "بُناة السلام" الذين تحتاجهم اليمن، وأتطلع إلى الاستمرار في نقل أصوات رائدات السلام اليمنيات وترديد صداها. من المهم بمكان إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب واستبدالها بنظام يعزز العدالة وسيادة القانون، خاصة عند التعامل مع موضوع حماية المرأة ومنع العنف ضدها.
يستحق شباب اليمن السلام.
يمثل الشباب دون الخامسة والعشرين من العمر ما نسبته ثلاثة أرباع سكان اليمن تقريبا.
يُعتبر الأطفال على وجه التحديد فئة ضعيفة في البلدان المتأثرة بالحروب. وفي سنة 2022، تم تجاوز عتبة مخزٍية: حيث قتل أو جرح أكثر من عشرة الاف طفل منذ بدء القتال في مارس 2015.
أود هنا توجيه رسالة خاصة إلى جميع هؤلاء الشباب اليمني الحاضرين هنا أو الذين هم في اليمن أو الخارج: أنتم المستقبل وصناع السلام والقوة الدافعة للبلد وحاملي كلمة الأمل.
بُني السلام في أوروبا وترسخ من خلال أنشطة التبادل والبرامج الثقافية للشباب بين بلدان كانت في يومٍ ما أعداء لبعضها البعض. سيكون التعليم وتجارب الأجيال الجديدة في اليمن عاملا حاسما في دولة السلم أو الحرب مستقبلاً.
عندما نتحدث عن الشباب، تخطر ببالنا كلمة واحدة: الحرية. وفي هذا اليوم الخاص، لا بد من ذكر جميع الصحفيين اليمنيين المحتجزين الآن في اليمن لممارستهم حرية الإعلام. إننا قلقون إلى حد كبير ونؤكد على دعوتنا للافراج عنهم فورا ودون شروط. حرية الصحافة هي حرية المواطن! وكما تعرفون تمثل حرية الصحافة الركيزة الأساسية للأنظمة الديموقراطية.
وختاما، دعوني أؤكد لكم أن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء متحدين في جهودهم للإسهام في تحقيق السلام في اليمن والتخفيف من معاناة اليمنيين ودعم التعافي على المدى الطويل. وبالاستفادة من تاريخنا المشترك وأيضا من خلافاتنا وتجاربنا في إدارة تلك الخلافات، فإننا نريد الإسهام في إعادة بناء يمن موحد ينعم بالسلام والازدهار. كونوا على يقين باننا سنعمل دون كلل صوب ذلك الهدف في الأشهر والسنوات القادمة.
أتمنى لكم التوفيق والسلام الدائم