THIS CONTENT HAS BEEN ARCHIVED

الكلمة الافتتاحية للممثلة العليا للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي ونائب رئيس المفوضية الأوروبية فيديريكا موجيريني في الاجتماع الوزاري الرابع بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية

20.12.2016
Teaser

القاهرة، 20 ديسمبر 2016

Text

في البداية أود أن اشكر مستضيفينا، كل من وزير خارجية تونس خميس جينهاوي والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، على حُسن الضيافة والاجتماع الناجز الذي تشاركنا فيه اليوم على المستوى الوزاري. نحن نعيش أوقات حزينة تمر بها منطقتنا، وإنني اعتقد بأن افكارنا تتمحور بشكل مشترك حول ضحايا الارهاب على جانبي البحر المتوسط في منطقتنا. واليوم نتقاسم هذا الشعور بالحزن، بل وإذا جاز التعبير نتشارك التعازي المتبادلة، ونحن نرى الضحايا من المدنيين والأبرياء يتساقطون في برلين، وفي الأردن منذ بضعة أيام، وفي القاهرة، وأخيرًا اغتيال السفير الروسي في أنقرة البارحة. إننا نواجه موجة عاتية من العنف والارهاب والتي تجعل لقاءنا اليوم واجتماعنا أكثر أهمية بل وأكثر مغزى، لأنني اعتقد بأننا نتشاطر نفس القناعة العميقة والمشتركة والمتمثلة في أن الاستجابة المشتركة، حيال العنف والارهاب، هي وحدها ما يمكن أن تخلُص إلى نتائج لصالح المدنيين في شتى أنحاء منطقتنا. لذا اسمحوا ليّ أن ابدء بتكريس تفكيرنا لهؤلاء الضحايا في أوروبا والعالم العربي، وإظهار عزمنا على أن نقوم سويا بمنع ومحاربة الارهاب و الارهابيين في دولنا وعلى مستوى العالم.           

يعتبر هذا الاجتماع الوزاري المشترك بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية هو الاجتماع الثاني ليّ الذي احضره تحت هذه الصفة، وبخلاف ذلك نحن نتقابل بانتظام بشكل ثنائي ومتعدد الأطراف معكم جميعًا.

دعوني أنوه إلى اعتقادي بأن هذه الصفة للاجتماع لها اهمية خاصة ومتزايدة. فإن التعاون الإقليمي ليس الأسلوب الأفضل فحسب وإنما الأسلوب الأوحد الممكن اتخاذه لمواجهة الأزمات التي نتعرض لها في منطقتنا. وإنني استخدم كلمة "منطقتنا" لأنني عندما أشير إلى مفهوم "التعاون الإقليمي" لا أعني بذلك بُعدًا اقليميا ثنائيا للعلاقات ولكن أعني مشاركتنا جميعًا للمنطقة نفسها. واعتقد بأن هذا هو سبب تواجد الكثير من الوزراء اليوم، ويعتبر ذلك أمرًا طبيعيا سواء على الجانب الأوروربي أو الجانب العربي. وهذا إذ يعبر عن الوعي الذي نتشارك فيه بشأن الحاجة إلى العمل سويًا على هذا النحو.

إن ما يحدث في سوريا أو ليبيا أو حتى في اليمن له تأثير مباشر على أوروبا. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتبر شريكًا محوريا في النمو والسلام والأمن بالعالم العربي. فلطالما كان البحر المتوسط حلقة وصل أكثر من كونه حدًا فاصلا، وأود الإشارة إليه باعتباره جسرًا، عوضًا عن كونه بحرًا، ما بين الثقافات على مر التاريخ.

تتنامى قوة هذا الرابط الذي يجمعنا والذي نتشارك فيه كل يوم، حيث يتعين علينا العمل سويا لمنع ومحاربة الارهاب، وإدارة الأزمات، وتقديم المساعدات الانسانية، ومكافحة الجريمة المنظمة وذلك لأجل إدارة أفضل لحركة البشر، وتطوير نهج شراكة حقيقية بشأن الهجرة لإنقاذ الأرواح، وتفتيت شبكات القائمين بالإتجار في البشر، وادارة الهجرة المنتظمة المستدامة. وعليه نحن نحتاج إلى زيادة التعاون فيما بيننا بل ويستلزم الوضع الحالي القيام بذلك، كما ينبغي علينا جميعًا أن نستهدف الوصول بعلاقاتنا إلى مستويات أعلى مما هي عليه.

ولنتناول الوضع في سوريا، حيث قد تنتهي معركة ما بينما تستعر الحرب التي مرت سنين على بدايتها. فلا يمكن بناء السلام على اساس العنف ضد المدنيين، أو على انتهاكات متكررة للقانون الانساني أو على تحويل مدن برمتها إلى اطلال. وإنني اعتقد بأننا أوروبيين وعرب نتشارك في هذا الاهتمام الرئيسي بوضع حد لإنهاء الحرب في سوريا. إن السلام يتطلب العدل لكل السوريين إلى جانب انتقال سياسي حقيقي وشمولي. لذلك قام الاتحاد الأوروبي بإطلاق مبادرة أوروبية واقليمية حول مستقبل سوريا، وهي المبادرة التي تضم كل القوى الإقليمية، وهذا يعني غالبيتكم. سويا نستطيع الاتفاق، كأوروبيين وعرب وسوريين  في إطار المجتمع الدولي تحت رعاية الأمم المتحدة، على إطار عمل يكون مقبولا للجميع يتعلق بتحقيق المصالحة ما بين السوريين، أي تحويل الوضع من كونه حرب بالوكالة إلى سلام بالوكالة وذلك من خلال تولي مسؤوليتنا أخيرًا. فإنه كلما اقتربنا من الصراع، كما هو حالنا جميعًا، كلما عرفنا أنه لا يمكن تحويل سوريا إلى ثقب أسود، لأننا سوف نعاني جميعًا من ذلك. ونحن عرب وأوروبيون لم ولن نسمح لذلك أن يحدث. قد يرى أحد الأشخاص البعيدة في لحظة ما أنه من الممكن إنهاء هذا الصراع ببساطة بشكل عسكري، ولكننا نعي أن هناك اعداد غفيرة من الأشخاص المتضررة من ذلك ونحن نضطلع بمسؤولية إيقاف هذه الحرب لأجل هؤلاء الأشخاص على وجه الخصوص. لذا عندما سيبدأ الانتقال السياسي سوف نحتاج أيضًا إلى العمل على بذل جهود جهيدة لإعادة إعمار الدولة. وهنا أود إلقاء الضوء على متى سيبدأ الانتقال السياسي، وهو ما يمكن اعتباره من العوائد الأكثر قوة للسلام، الوسيلة الأقوى التي نستطيع استخدامها بشكل جماعي لإنهاء الحرب، حيث من الممكن البدء في هذا الانتقال السياسي من خلال إجراء محادثات سورية بينية تحت رعاية الأمم المتحدة. ونحن ملتزمون بأداء دورنا في هذه العملية، ونحتاج إلى إقامة شراكة مع العالم العربي للنجاح في الوصول إلى ذلك.

في اليمن أيضًا لا يمكن للحل السياسي الانتظار أكثر من ذلك. فإن استمرار الحرب لا يُعرِض الشعب اليمني لألم عميق فحسب وإنما أيضًا يعزز من وضع الجماعات الارهابية وعدم الاستقرار الإقليمي. ويعتبر الوقف الدائم والمستمر لأعمال العدوان أمرًا محوريا لضمان الوصول إلى المساعدات الانسانية واستئناف مفاوضات السلام.

من هنا يعتبر التعاون الإقليمي الأوثق صلة هو السبيل لإنهاء كافة الأزمات الراهنة. أما في ليبيا فيحتاج الأمر إلى تضافر جهود كل من العرب والأوروبيين وغيرهم من الأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية. فإننا نستطيع سويا مساعدة الليبيين في تحقيق ما لم يتم تحقيقه بعد، أي وحدة الدولة ضد التهديد الذي تواجهه بل والذي نواجهه جميعًا بدءًا بانتشار الارهاب، وذلك من أجل السماح لليبيين بالعيش في أمن، والاستفادة من موارد الدولة العديدة ووقف الإتجار البشر الذي يتسبب في الكثير من الآلام و الخسائر في الأرواح.

ودعوني انتهز هذه الفرصة لأعرب عن امتناني لتعيين جامعة الدول العربية ممثلا خاصًا للأمين العام إلى ليبيا صلاح الدين الجمالي، وأود الإشارة إلى أننا مستعدون للعمل سويا.

اسمحوا لي أن اختتم بصراع أقدم أمدًا ألا وهو الصراع الدائر ما بين اسرائيل وفلسطين. يعتبر هذا الصراع هو الأسهل في الحل مع الأخذ في الاعتبار انتشار الكثير من الصراعات الأخرى. إلا أنه يظل الصراع المتصدر لجدول أعمالنا وأحيانًا ما ينتابني الشعور بأننا نحن، الأوروبيون والعرب، وحدنا الذين نضع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على قمة جدول اعمالنا السياسي. إننا بحاجة إلى تضافر الجهود لأجل تيسيير الوصول لحل لهذا الصراع القديم والهام والممكن حله في منطقتنا. وتجدر الإشارة إلى أن الأطراف الفاعلة الإقليمية هي التي باستطاعتها أن تلعب دورًا محوريا وذلك من خلال تغيير ديناميكيات الوضع على أرض الواقع. كما أن مبادرة السلام العربية توفر عناصر رئيسية لأجل تسوية شاملة لهذا الصراع. ومن ثمّ مع أخذ ذلك في الحسبان يجب علينا الإبقاء على الحل المتعلق بالدولتين، وهو الأمر الذي يعتبر أكثر اهمية في الوقت الحالي.

لا يسعنا التقليل من شأن المخاطر المصاحبة لتصاعد العنف الجديد. كما لا نستطيع على الجانب الأخر التقليل من شأن الأثر الايجابي الذي من الممكن أن يخلفه مقدار من التعاون في الأماكن المقدسة على المنطقة برمتها بل والعالم ككل. فإننا نستطيع بالفعل تحقيق فرقًا هنا، فأنا ونحن من الأوروبيين الذين لا يعتقدون بفقدان الأمل، بل على النقيض نحن نرى أنه في وقت الشدائد نحتاج إلى تكثيف العمل المشترك لحل الصراع الدائر.

يساهم الاتحاد الأوروربي بشكل مباشر في استقرار وأمن ورخاء الشرق الوسط بأسره. ونحن مستعدون لدعم السلام بكل ما أوتينا من أدوات، من خلال الدبلوماسية، والمساعدات الانسانية، والتجارة والتعاون في التنمية. ولكن لن يقوم للسلام قائمة في المنطقة بدون اشخاص وحكومات الشرق الأوسط.

وإذا ما اردت الحديث عن أمر ايجابي على جدول اعمالنا، مع الأخذ في الاعتبار أننا محاطين بالعديد من الأزمات والصراعات والتهديدات، فنحن غالبًا ما نغفل الجانب الإيجابي الذي من الممكن أن يأتي به الأشخاص لاسيما الشباب لمنطقتنا. بغض النظر عن الكثير من الأزمات والصراعات نستطيع سويا الاستثمار في شبابنا ليس للمستقبل فقط ولكن أيضًا للحاضر، وإنني اقول ذلك في الدولة المستضيفة لنّا الآن والتي يمثل الشباب نصف تعداد سكانها. وعليه يجب الاستثمار في خلق فرص عمل، وفرص تعليمية وفرص لأجل المشاركة الفعالة في مجتمعاتنا من أجل الجميع، مجتمعات نريد ونحتاج إلى أن تشمل الجميع.  

حان الوقت لنتخطى الماضي وكذلك اشكال التقسيم الراهنة وأن نبني شراكات قوية وفعلية لفائدة مواطنينا وكذلك لمنفعة عالمنا ككل، لأننا في الوقت الحالي نعيش في أكثر مناطق العالم نزاعًا. ونحن مّن يعرف الوضع بشكل أفضل لأننا نحيا بالفعل في هذه المنطقة. وقد تقع على عاتقنا بعض المسؤولية لمحاولة حل بعض الأوضاع التي نواجهها اليوم في أقرب فرصة ممكنة.

السياسة تتغير، والإدارات تتغير هي الأخرى، ولكن يظل التاريخ والشكل الجغرافي لا يتغير. ونحن نتشارك في الكثير من الأمور فلا يمكن أن نفكر في أنفسنا بوصفنا كيانين منفصلين، لذا فنحن مضطلعون بهذه المسؤولية بشكل مشترك.        

إنني اتمنى لنا جميعًا عمل مثمر ليس فقط اليوم ولكن خلال الأشهر بل والسنوات القادمة معًا.

لكم جزيل الشكر

الفئة
Remarks
Location

Cairo

Editorial sections
EEAS
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
مصر